الثلاثاء، 17 يونيو 2014

اليمن .. عودة الى سلام حرج - أم انتقاله ال دولة مدنية ؟




كثرة التغيرات على الساحة اليمنية تقحمنا في التفاصيل اليومية وتنسينا التحدي الهيكلي الأساسي الذي يواجهه اليمن اليوم وسيشعربة غداً حين ينقشع غبار هذه الأحداث .
والمشكلة اليمنية لها ثلاثة مستواياتالمستوى الأول : الظاهر هو الصراع الحالي بين القوى السياسية والشعبية والقبلية والمناطقية ، وهو صراع مركب متداخل يصعب الفصل التام بين أطرافه المختلفة .
في شكل ثنائي واضح بحيث نقول ( هذا ضد هذا... وهذا مع هذا ) ويعتبر هذا المستوى امتداداً لصراعات سابقة ، وهو سينتهي أو يأخذ شكلاً آخر .
المستوى الثاني  يشمل القضايا الكبرى إلي يواجهها اليمن مثل : ( الماء والطاقة والاستثمار واليات العمل الحزبي والنقابي وفاعلية المؤسسات المدنية وأنشطة الحقوق والحريات وتطوير الحياة السياسية وتفعيل الأداء الحكومي ).
المستوى الثالث: المشكلة الأعماق التي يواجهها اليمن، وهي طبيعة ترتيب العلاقة بين الدولة وبين القوى القبلية في المجتمع التي قامت على أساس وجود سلم بارد بين الأطراف الأساسية.
ثلاثة مستوايات من القضايا يغذي بعضها بعضاً في حلقة شرسة ، لكن المستوي الثالث يبقي هو الأخطر ، وإذا لم يعالج فلا معالجة للمستويين الأولين بفعالية أو في شكل مستدام .
السلم الحرج كان نتيجة التعامل مع الدولة باعتبارها قوة من بين القوى متعددة في الساحة وليس النظر إليها باعتبارها كيانا يمثل مصالح الكل.

رافق هذا الاعتبار رفض تخلي القبائل عن مشروعية حقها في استخدام العنف لتحقيق مصالحها أوحميه نفسها ، سواءً كانت تلك الحماية ضد قبائل أخرى ، أو ضد الدولة نفسها ، ومن يتابع الخطاب السياسي للقوى القبلية المختلفة في اليمن يجدها تستخدم كلمة ( الدولة ) وكأنه يتم الحديث عن ند يأخذ أكثر مما يعطي ،وطرف يمكن تحديه والوقوف ضده ، بل يجب ذلك في بعض الحالات.

هذان الأمران معاً ( نديه الدولة + مشروعية استخدام القبيلة العنف ) كان يمكن أن يؤديا إلى تفكك البلد ودخوله في حرب أهلية شرسة ولكن الذي حصل إن صارت الدولة والقبائل وكأنها في حالة استنفار متواصل بعضها ضد البعض الآخر وصار المانع من التعدي المتبادل خشية الإيذاء وصار الأمر أشبه مايكون بتوازن رعب يضبط إيقاع العنف ويمنع من الانجرار إلى عواقب غير قابله لسيطرة عليها.
 .
السلم الحــرج والحالة التي حكمت علاقات القوة بين القبائل وبين الدولة طيلة الأربعين السنة الماضية محولة السياسة الداخلية إلى صراع توازنت يهدف إلى الإبقاء عليه.

والسلم الحرج كان المدخل الأساسي والسهل للقوى الخارجية كافة إلى القلب اليمني.

الصورة بطبيعة الحال أكثر تعقيداً ً وأكثر مأسوية ومن المآسي أن طبيعة السلم الحرج غير مستدام ، لذالك تخلل هذا الوضع الكثير من عدم الاستقرار ممثلا ً بالا الاغتيالات السياسية وحروب الشمال والجنوب ، والصراعات المسلحة بين القبائل ، ثم حرب الوحدة ، والصراعات بين القوى الحاكمة في سنخان ، والصراعات بين الرئيس السابق وبين آلـ الأحمــر، وحروب صعده الشرسة ، والصراع مع الجنوبيين.

وبتالي مانراه اليوم  هو إلى حد كبير استمرار للصراعات السابقة ولكن بوتيرة وحّدة أعلى بكثير ،مضافا ً إليه الصراع الشعبي  ضد الطرف الحاكم في النظام السابق .

والحرب التي حصلت بين الرئيس السابق والـ الأحمــر كان متوقعا ً حصولها ولكن عجل وقوعها الموقف الشبابي ضد النظام السابق.

لذالك فان السلم الحرج هو التحدي الهيكلي الأكبر الذي تواجه اليمن سواء ً على مستوى أمني أم على مستوى تنموي فعلى رغم مرور أربعين سنة على الحرب الأهلية لم يستطع اليمن أن ينجز ربع مأتم إنجازه في دول أخرى اقل موارد واقل فرصا ً واقل دعماً.
  
وليس َهذا لأن النظام الجمهوري غير فاعل، بل هوى من حيث المبدأ متقدم على الإمامة، ولكن..

لأن النظام الجمهوري تم خنقه فعلا ً ،ولم يبقى الإ شكله ،وتكون نظام سياسي آخر تماماً.

 تركيز المفاوضات اليوم سيكون لحل النزاع على المستوى الأول بحيث يعاد ترتيب القوى الموجودة في الساحة اليمنية بما يتلاءم مع التغيرات التي حصلت، فهناك قوى جديدة دخلت الساحة ،وأخرى ضعفت، وأخرى خرجت تماماً .

الطرق التقليدية لحل النزاعات تهدف إلى أعادة البلد إلى الوضع الطبيعي الذي كان عليه قبل ارتفاع التوتر إلى حد المواجه المباشرة أو الحرب الأهلية.

لكن ليس َ اليمن ليس حالة تقليدية  ،ولاتنفع معه الطرق التقليدية ،فالوضع الطبيعي لليمن كان أحد أسباب الحالة التي نشاهدها ،وبتالي فالعودة إليها ماهي الإ تأجيل لاشتعال المشكلة.
  
بعبارة أخرى:  لسنا أمام حالة انتقال من سلم أهلي إلى توتر أو حرب أهليه..
  
وإنما أمام حالة انتقال من سلم حرج  إلى توتر أو حرب أهليه..
  
والتفاوض التقليدي يعيد البلد إلى ماكنت عليه.

 وكما عاش النظام سابقا ً في حالة سلم حرج تحت مسميات دستورية مختلفة، سيمكن النظام الجديد الاستمرار في السلم الحرج بمسميات جديدة.
  
بتالي لابد من عملية تفاوضية أخرى، تعمل بالموازاة مع التفاوض التقليدي، تهدف إلى إقناع القوى المستفيدة من السلم البارد بأنه يضرها بشكل جذري.

 فلا يمكن أي قوة التنازل عما تملكه من نفوذ إلا إذا شعرت بأنها صارت تتألم بسببه أكثر مما تستفيد. 

والمفاوضات التي تعالج المشكلة الظاهرة قائمة على هذة الحقيقة .

مشكلة السلم الحرج أنة لا يؤالم طرفاً بعينة بشكل مباشر ،بل العكس فهو يفيد أطرافاً متعددة بشكل مباشر ، ويوزع ضرره بحيث لا يشعر بوطأته الشديدة أحد .

وبالتالي يصعب كثيراً إقناع طرف بضرورة التخلي عن حالة السلم الحرج ، خصوصاً من يستفيد منه.

أي لا يتوقع في ظروف عادية أن تبدأ عملية تفاوضية غير موجودة .

إلا أننا اليوم أمام مناخ  إصلاحي خلق استعداداً للبدء في التفاوض على ذالك المستوى ، وهذا بحد ذاته مطلب .

والاستعداد نافذة مهمة يمكن من خلالها وضع اللبنات الأولى لخطوات تفاوضية تهدف إلى إعادةترتيب علاقة القوة بين الدولة وبين المجتمع .

خطوات قد تستمر سنوات يتم فيها الحوار العميق والحاد والقاسي بين القوى المختلفة سعياً لإقناع الأطراف المعنية بضرورة تغيير طرقها في إدارة علاقتها بالدولة وبالقوى الأخرى الموجودة .

وإذا فاتت هذه النافذة فقد تتأخر معالجة المستوى الثالث من المشكلة اليمنية لنعود بعد وقت قصير والناس في توتر ربما أشد من هذا .

أمام اليمن فرصة تاريخية اليوم.

وأحسن ما يمكن أن تعملة الدول الصديقة لليمن البدء بمشروع تفاوضي للخروج النهائي من السلم الحرج إلى الدولة المدنية .


 مدارات استرتيجية - الحياة

ليست هناك تعليقات: